في قلب الجزيرة
بين جدران الطين، وعبق السعف، وحروف الضوء التي تتسلل من شبابيك الطين المزخرفة، نشأ فنان يحمل في صدره همًّا لا يُشبه إلا همّ الأنبياء في تبليغ الرسالة؛ رسالة الجمال، والهوية، والاعتزاز بجذور الأرض.
رسالة المحارب
إبراهيم عبدالعزيز المحارب، لم يكن يومًا مصممًا عاديًا، ولا فنانًا يُجامل الفراغ بألوانٍ عابرة؛ بل كان حاملًا لقلقٍ نبيل، وهمٍّ عظيم، اسمه: “كيف أُخرج الزخرفة النجدية، والحرف العربي، من الظل إلى الضوء، ومن المحلية إلى العالمية؟”
ليست قضيته في جماليات زخرفية فقط، ولا في تكرار عناصر تراثية محفوظة، بل في تحويل هذه الهوية إلى قوة تصميمية ناعمة، تُنافس على رفوف العالم، وتستقر بفخر على أثاثه، وجدرانه، وفنادق نخبه، تمامًا كما فعلت “غوتشي” للهوية الإيطالية، و”لويس فيتون” للهوية الفرنسية.
الزخرفة النجدية برؤية جديدة
يرى المحارب أن الزخرفة النجدية لا تقل عن أي مدرسة فنية في العالم، بل تتفوق حين يتم تقديمها برؤية واعية، وبأسلوب معاصر يُحافظ على أصلها، ويمنحها حياة جديدة.
ولذلك، لم يكن همّ إبراهيم المحارب جماليًا فقط، بل وطنيًا وإنسانيًا. هو لا يُصمم أثاثًا، بل يُجهّز منصّات تُخاطب العالم، لا تصدر فقط منازل وتحف، بل تصدّر هوية.
الحرف العربي كلغة معاصرة
هو يؤمن أن الخط العربي لا يجب أن يُحبس في كتب التراث أو صفحات المتاحف، بل يجب أن يُحوّل إلى لغة مرئية معاصرة، تتغلغل في ديكورات الفنادق العالمية:
- على قطع الأثاث،
- على الجداريات،
- في اللوبيات الفخمة،
- على الطاولات الجانبية،
- في صالات العرض الكبرى،
- وفي منازل الأثرياء،
دون أن تفقد روحها، أو تُفرّغ من معناها.
مشروع حضاري وثقافي
يعمل المحارب على تحويل الحرف العربي إلى عنصر تصميمي يعيش مع الناس، في حياتهم اليومية، دون أن يُشعرهم بأنه مجرد زينة، بل هو “قيمة”.
ويسعى إلى أن يُرى “النقش النجدي” ليس كذكرى من الماضي، بل كلغة تصميمية قابلة للتصدير، تُنافس التوسكانا، واليابان، والمغرب، وباريس، وتجد لنفسها موضعًا في الماركات الكبرى، كـ “براند سعودي” أصيل.
فهو لا ينظر للهوية بوصفها عبئًا، بل كنزًا يُستخرج بعناية، ويُقدّم بفخر، دون ابتذال ولا استعراض.
بين نجد والعالم
تأملاته في الحرف، لا تقتصر على الجمال، بل تمتد إلى المعنى، والرسالة، والطابع. كل منحوتة، وكل قطعة، وكل تصميم هو جسر بين نجد والعالم.
لذلك، فإن ما يقدمه إبراهيم المحارب ليس مشروعًا فنيًا فحسب، بل هو مشروع حضاري وثقافي، يتطلب دعمًا من الدولة، واحتضانًا من الهيئات، واعترافًا بأنه يمثل القوة الناعمة للمملكة.
نصر الهوية
حين تدخل لوبي فندق عالمي، وتجد على جدرانه زخارف مستلهمة من عمارة “شقراء” أو “الدرعية”، أو ترى طاولة خشبية مزيّنة بحروف عربية منحوتة بخط ثلث محاربّي، أو مبخرة نجديّة تحتل صدارة متجر عالمي في نيويورك أو ميلانو — فأنت في الحقيقة ترى نصرًا للهوية، وانتصارًا لسنوات طويلة من البحث، والتأمل، والصبر.
موقف حضاري
لا يريد المحارب أن يصنع مجرد تحفة، بل أن يصنع موقفًا حضاريًا. أن يقول للعالم: “نحن أيضًا لدينا ما نفخر به، وما يستحق أن يعيش في منازلكم”.
لا يقبل بالنسخ، ولا التكرار، ولا الخداع البصري. بل يقدّم روحًا حقيقية تعبق بالتراث، ولكنها تقف على منصة معاصرة بكل تفاصيلها.
حلم وهوية
يحلم أن تصبح “هوية نجد” مثلما أصبحت “الهوية اليابانية” عنوانًا للفخامة والتميّز، لا في وطنها فقط، بل في شوارع باريس، ومطاعم مانهاتن، ومعارض دبي.
يحلم أن يقول القادمون إلى الرياض: “أريد قطعة أثاث أو تحفة من الهوية النجدية كما يقول الناس اليوم عن إيف سان لوران أو فندي”.
سفير بلا جواز
يحمل المحارب رسالة، يرى نفسه سفيرًا لها، وسفره لا يكون بجوازٍ دبلوماسي، بل بجواز من خط عربي، وزخرفة نجدية، وخشبٍ معتّق، ونحاسٍ مصقول بروح الصحراء.
يحمل همّ أن تكون بلاده حاضرة في بيوت الآخرين، دون أن تتنازل عن كرامتها، أو تُغيّر لهجتها البصرية. بل تدخل بثقة، بفن، بجذر، وبجمال لا يُزاح.
إبراهيم المحارب هو ذلك الفنان الذي يتأمل التراث لا ليبكي عليه، بل ليُنهضه، ويُعيد له مجده، ويُخرجه من المتاحف إلى الحياة.