محمد السعيد.. بين خشبة العمارة وأضواء الدراما
في إحدى غرف التصوير، وبين الكاميرات والأضواء والحوارات المتكررة، يجلس محمد السعيد هادئًا، يراجع نصه بعناية، وكأنّه مهندس يرسم مخططًا معقدًا. ذلك التركيز ليس غريبًا على من درس الهندسة المعمارية، فالعقلية المنظمة التي اكتسبها هناك انتقلت معه إلى موقع التصوير، لكنها هذه المرة تتجسد في بناء شخصية درامية لا في تصميم مبنى.
وُلد السعيد في يوليو 1993 بمدينة عنيزة – القصيم، ونشأ في بيئة أصيلة احتضنت طموحه المبكر. ومع أن طريقه الأكاديمي قاده إلى العمارة، إلا أن قلبه ظل معلقًا بالفن. كان يدرك أن الموهبة تحتاج إلى فرصة، وحين جاءت، استغلها بكل ما يملك من إصرار.
أول اختبار حقيقي له كان مع مسلسل العاصوف، حيث أدى دورًا تراجيديًا أثبت فيه أن بإمكانه ملامسة وجدان المشاهد. لم يكن مجرد حضور عابر، بل بصمة تركت انطباعًا بأن هذا الشاب يحمل الكثير. ثم جاء ظهوره في طاش ما طاش ليقدّم صورة أخرى، مرحة وخفيفة الظل، ويؤكد أن الكوميديا بالنسبة له ليست صعبة، بل مساحة للتعبير والنقد الاجتماعي بذكاء. أما في العودة، فقد بدا أكثر رسوخًا، وكأن التجارب السابقة صقلت أدواته ومنحته الثقة للانتقال إلى مستويات أعلى.
ما يميز محمد السعيد ليس فقط تنوع أدواره، بل توازنه بين شخصيتين: شخصية المهندس الذي يعتمد على التخطيط والدقة، وشخصية الفنان الذي يفتح قلبه للعاطفة والتجربة. هذا التداخل بين العِلم والفن منح مسيرته طابعًا خاصًا، يميّزه عن غيره من أبناء جيله.
اليوم، يقف السعيد في مرحلة مهمة من حياته الفنية. فالجمهور ينتظر منه المزيد، والنقاد يتابعون خطواته القادمة عن كثب. ومع كل دور جديد، يثبت أن الدراما السعودية أمام جيل قادر على الإبداع بصدق، والتعبير عن تحولات المجتمع بروح معاصرة.
قصة محمد السعيد ليست مجرد انتقال من عنيزة إلى شاشة التلفزيون، بل قصة شاب آمن أن الشغف يمكن أن يفتح أبوابًا واسعة، وأن الفن قادر على أن يكون امتدادًا للعلم، وأن الطريق نحو النجاح يبدأ دومًا بخطوة جريئة.

