بقلم: محمد عبدالغني مولف الموسيقي
لطالما كانت الموسيقى انعكاسًا لثقافة الشعوب وتطورها، لكنها اليوم لم تعد كذلك. فقد حلت محل الإبداع الفني أصوات صاخبة وكلمات تفتقر إلى المعنى، فيما يعرف بـ”أغاني المهرجانات”، التي أصبحت تفرض نفسها على الذوق العام دون استئذان، متسللة إلى كل بيت، حتى باتت واقعًا لا يمكن تجاهله.
من زمن الفن الراقي إلى عصر الفوضى الموسيقية
يتساءل المؤلف الموسيقي محمد عبد الغني: كيف انتقلنا من زمن العمالقة مثل أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب، إلى زمن تُستبدل فيه الألحان العذبة بإيقاعات صاخبة وكلمات لا تحمل أي قيمة فنية؟ لم يكن الفن يومًا مجرد ضوضاء بلا هدف، بل كان رسالة تحمل معاني سامية ترتقي بالذوق العام وتؤثر في سلوك المجتمع.
يؤكد محمد عبد الغني أن أغاني المهرجانات لم تكتفِ بالانتشار في الحفلات والأفراح، بل تسللت إلى الدراما المصرية أيضًا، حتى باتت جزءًا من المسلسلات الرمضانية، مما جعلها تدخل كل بيت دون استئذان. هذا الأمر يشكل خطرًا على الأجيال القادمة، حيث يتشبع الأطفال والمراهقون بمفاهيم مشوهة عن الفن والموسيقى.
هل نحن أمام تدمير ممنهج للوعي الفني؟
يرى محمد عبد الغني أن هذه الظاهرة لم تأتِ من فراغ، بل إن شركات الإنتاج ووسائل الإعلام تلعب دورًا رئيسيًا في ترويج هذا النوع من الموسيقى، بدلاً من دعم الأعمال الفنية الراقية التي تثري الذوق العام. لقد أصبح الهدف تجاريًا بحتًا، حيث لم يعد المنتجون يبحثون عن الجودة، بل عن ما يحقق مشاهدات ومبيعات عالية بغض النظر عن قيمته الفنية.
يضيف محمد عبد الغني أن الأزمة الحقيقية تكمن في اعتبار هذه الأغاني مجرد “أذواق”، متجاهلين التأثير العميق للموسيقى على الوعي والسلوك. فكما أن الطعام غير الصحي يؤدي إلى أمراض جسدية، فإن الموسيقى الرديئة تؤثر على الوجدان وتشوّه الحس الفني للأفراد، مما ينعكس على سلوكهم وتفاعلهم مع المجتمع.
الفن رسالة أم مجرد تجارة؟
يؤكد محمد عبد الغني أن الموسيقى كانت وما زالت واحدة من أقوى الأدوات التي تؤثر في المجتمعات، لكن عندما تتحول إلى مجرد وسيلة للربح دون مراعاة قيمتها الفنية، فإنها تفقد دورها الأساسي في تهذيب النفوس والارتقاء بالمشاعر. فهل نحن أمام تطور طبيعي في الذوق الفني، أم أننا نشهد انهيارًا حقيقيًا يستدعي وقفة جادة لإنقاذ ما تبقى من تراثنا الموسيقي الأصيل؟
